الجهاد في سبيل الله هو قوام الدين وفريضة عظيمة كما قال صلى الله عليه وسلم: »رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله«، وقد أمرنا الله به في كثير من الآيات، وحث عليه وكذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - أمر بالجهاد ورغب فيه وحث عليه وبين فضائله، لدرجة أن بعض العلماء أعده ركناً سادساً من أركان الإسلام لأهميته ولكثرة ما جاء في شأنه من الآيات والأحاديث .
والجهاد فريضة قديمة حيث جاهد موسى عليه الصلاة والسلام خرج ببني اسرائيل وقال لقومه »يّا قّوًمٌ ادخلوا الأرض المقدَّسة التي كتب الله لكم ولا ترتدَوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرينّ«، حصل منهم ما حصل وعاقبهم الله وفي النهاية بعد موت موسى عليه السلام قاموا بالجهاد وفتحوا بيت المقدس ودخلوا في الجهاد في سبيل الله عز وجل .
وكذلك في بني اسرائيل من بعد موسى كان الجهاد مشروعاً فحصل من بني اسرائيل من الجدال ما حصل كعادة بني اسرائيل في شأن طالوت، ثم إنهم لما خرجوا مع طالوت وفصل بهم غازياً في سبيل الله لقتال الكفار حصل امتحانهم بالنهر الذي ابتلاهم الله به، ولم ينجح في هذا الابتلاء إلا عدد قليل قال تعالى: »فشربوا منه إلاَّ قليلا فلمَّا جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنَهم ملاقوا الله كم مٌن فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه والله مع الصَّابرين« »ولمَّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربَّنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين« »فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلَّمه ممَّا يشاء« فهذا دليلٌ على أن الجهاد أمر ماض في الأمم قبلنا، وهكذا توالت أمثلة الدكتور جمال المراكبي من برنامج »فقه المعاملات« على قناة الرحمة الفضائية، ليؤكد أن الجهاد فريضة قديمة.
وأضاف: كذلك سليمان عليه السلام وشأنه مع بلقيس ملكة سبأ، فهو هدَّد هذه الملكة بأن يغزوها بجنود لا قِبل لأهل اليمن بهم، فما كان إلا أن خضعت واستسلمت وجاءت مسلمة، فالجهاد موجود في الشرائع القديمة لأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته وتكفل بأرزاقهم فلما حصل من بعض العباد خروج عن طاعة الله وتكبر عن عبادة الله التي خلقوا من أجلها، فإن الله سبحانه وتعالى انتقم منهم.
واستشهد الدكتور المراكبي بالأمم السابقة التي هلكت بسبب معصية الله ولم تنقد لنبيها مثل قوم هود وعاد وثمود والذين من بعدهم ممن أهلكهم الله عن آخرهم لما تمردوا على أنبيائهم وتكبروا عن عبادة الله وأصروا على عبادة غير الله وأصروا على الشرك فإن الله يستأصلهم عن آخرهم ولا ينجو إلا أهل الإيمان الرسل وأتباعهم.
وأضاف: أن الله بعد ذلك شرع الجهاد بدلا عن الهلاك العام عقوبة للكفار الذين أبوا أن يعبدوا الله سبحانه وتكبروا عما خلقوا من أجله، فكان الجهاد من سنة الأنبياء بعد القرون الأولى، إلى أن جاء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فمضى على هذه الشريعة وهي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله وإزالة الشرك والكفر قال تعالى: »وقاتلوهم حتَّى لا تكون فتنة ويكون الدين كله للَّه فإن انتهوا فإنَّ الله بما يعملون بصير«، هذه هي الحكمة في مشروعية الجهاد لأجل أن يعبد الله وحده.
يقول دكتور المراكبي: الله فرض على هذه الأمة الجهاد في سبيل الله ولكنه شرعه بالتدريج، فيوم أن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بمكة كانوا منهيين عن الجهاد ومأمورين بكف أيديهم والدعوة إلى الله عز وجل، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة مدة ثلاث عشرة سنة بعد البعثة كان يدعو الناس إلى الله عز وجل ولم يُؤمر بالقتال، بل كان منهياً عنه على الرغم مما يلاقي هو وأصحابه من أذى الكفار وتطاول الكفار.
كانوا منهيين عن القتال في هذه الحقبة لأنهم ليس عندهم قوة والعدو أقوى منهم، فلو أنهم قاتلوا في هذه الحقبة لتسلط العدو عليهم واستأصل شأفتهم، ثم لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ووجد الأنصار والأعوان أذن الله لهم بالجهاد إذنا لا أمراً، فقال جل وعلا: »أذن للذين يقاتَلون بأنَهم ظلمٍوا وإنَّ اللّه على نصرهم لقدير«، ثم بعد ذلك أمروا بقتال من قاتلهم والكف عن من لم يقاتلهم قال تعالى: »وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنَّ اللّه لا يحب المعتدين«.
فأمروا بقتال من قاتلهم ثم بعد ذلك أمروا بالقتال مطلقاً من قاتلهم ومن لم يقاتلهم لأجل إعلاء كلمة الله لما كان للمسلمين قوة وكان عندهم الاستعداد وقامت لهم دولة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد لإعلاء كلمة الله هذا هو الغرض من الجهاد ليس الغرض منه بسط السلطة وتوسيع المملكة أو أخذ الأموال أو قتل الناس، بل الغرض إعلاء كلمة الله فلو أنهم قبلوا الدعوة واستجابوا ورجعوا إلى ما خُلقوا من أجله فإنهم لا يُقاتلون ويتركون، فإن تمردوا وعثوا فلابد من قتالهم لإزالة شرهم وكفرهم وعقوبة لهم وما عند الله لهم من العقوبة أشد وأنكى في نار جهنم لأنهم كفار مشركون تكبروا عن عبادة الله عز وجل.
وأوضح الدكتور المراكبى: إذا وقف الجهاد زاد شر الكفار وحاربوا الإسلام والمسلمين ومنعوا المسلمين من الدخول في الإسلام كما هو الواقع الآن لما وقف الجهاد، ماذا صنع الكفار بالمسلمين في أقطار الأرض كما تسمعون وتقرؤون وتشاهدون من القتل والتشريد والتخريب ووصف الإسلام بالإرهاب والوحشية وغير ذلك، فهذا شأن الكفار إذا لم يقاتلهم المسلمون فإنهم هم يكيلون على المسلمين الأذى ولذا بات الجهاد ضرورة لدفع أذاهم وإلا تعرضت المزيد من المقدسات للتدمير كما يحدث هذه الأيام في فلسطين، حيث أصبح الأقصى مهددا بالتدمير على يد المحتلين الصهاينة وقطعان المستوطنين.فالحكمة من تشريع الجهاد هى إعلاء كلمة الله عز وجل، أما من يقاتل لغير ذلك فليس في سبيل الله والذي يقاتل في سبيل الله إن قتل فهو شهيد وإن لم يقتل فهو مأجور ومثاب، قال سبحانه وتعالى: »ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم اللّه من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاَّ خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأنَّ الله لا يضيع أجر المؤمنين«.