شهيد كربلاء:
الحمد لله والصّلاة، والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذه صفحات مضيئة من سيرة علم من أعلام أفضل جيل من هذه الأمّة؛ جيل الصّحابة عليهم رضوان الله.. صفحات تضيء بالزهد والورع والخشية والتضحية والجهاد بالنّفس والنفيس في سبيل الله جلّ وعلا.. صفحات عطرة من حياة أصغر سبطي وريحانتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذه الدنيا وأنعم بها من منزلة.. صفحات من سيرة أحد سيّدي شباب أهل الجنّة وأعظم به من مقام..
إنّه الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.. الحسين (رضي الله عنه): جدّه من؟ أبوه من؟ وأمّه من؟.. إنّه حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).. حفيد أفضل البشر وخير الأنبياء وإمام المرسلين.. إنّه ابن علي بن أبي طالب أسد الله الغالب وصاحب المناقب.. أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين، وبعد أبي بكر وعمر وعثمان ذي النّورين..
إنّه ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).. سيّدة نساء العالمين وسيّدة نساء أهل الجنّة.. الصدّيقة بنت إمام المرسلين وسيّد الأوّلين والآخرين..
الحسين بن علي رضي الله عنهما.. أحَبّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع أخيه الحسن حبّا جمّا، فكان (صلى الله عليه وآله) يقول عنه وعن أخيه رضي الله عنهما: ( هذان ابناي، وابنا بنتِي، اللهمّ إنّي أحبّهما فأحبَّهما، وأحبّ من يحبّهما ).. إنّه القانت الصوّام القوّام.. كان لا يُرى في النّهار إلا صائما، ولا في الليل إلا قائما.. سبّاقا إلى الخير مسارعا في المعروف.. حجّ ساعيا ملبيا خمسا وعشرين (25) حجّة مشيا على قدميه رضي الله عنه وأرضاه..
كان (رضي الله عنه وأرضاه) جوادا كريما.. كيف لا وهو الذي كان يوصي النّاس فيقول: " حوائج النّاس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النّعم فتعود نقما ".. وقَف على بابه (رضي الله عنه) يوما أعرابي فقير، فقرع الباب وسأل حاجته والحسين (رضي الله عنه) ساعتها يصلّي، فما كان منه (رضي الله عنه وأرضاه) إلا أن خفّف صلاته وخرج إليه، فلمّا رأى عليه أثر الفاقة والفقر نادى غلامه فقال: ماذا تبقى معك من نفقتنا، فقال الغلام: مائتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك، فقال الحسين (رضي الله عنه): " هاتها، فقد أتى من هو أحقّ بها منهم "، ثمّ أعطاها الأعرابيّ، ولم يكتف بذلك بل اعتذر له عن قلّتها..
ودخل (رضي الله عنه وأرضاه) على أسامة بن زيد (رضي الله عنه) في آخر لحظات حياته، فوجده يشكو دَينا عليه يخشى أن يموت قبل سداده، فما كان من الحسين (رضي الله عنه) إلا أن تكفّل بدينه كاملا، وكان قد بلغ ستين ألف درهم.. فرضي الله عنه وأرضاه من جواد كريم..
كان رضي الله عنه شجاعا مقداما لا يخاف في الله وفي الحقّ لومة لائم.. شارك مع أخيه الحسن رضي الله عنهما في أيام خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في الجهاد، وكانا بين الجيوش التي حاربت الرّوم في أفريقيا، وفتحت طرابلس والمغرب الأقصى.. وشاركا رضي الله عنهما مع جيش سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) في معارك آسيا وفتح طبرستان..
ولمّا حاصر أهل الفتنة ممّن اغترّ بدعوة اليهوديّ عبد الله بن سبأ دار الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، كان الحسين مع أخيه الحسن ممّن وقف على باب عثمان للدّفاع عنه بأمر من أبيهما علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).. وقفا رضي الله عنهما كالأسدين يدافعان عن عثمان ويردّان أهل الفتنة عن داره حتى تخضّبا رضي الله عنهما بالدّماء.. ولمّا أحرق أهل الفتنة الباب ليقتحموا الدّار تصدّى لهما الحسنان فردّاهم عن اقتحامها.. فلجأ أهل الفتنة أمام ثبات الحسنين ومن معهما إلى دخول الدّار من الخلف وقتلوا خليفة المسلمين عثمان، عليهم من الله ما يستحقّون..
بعد مقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، بايع النّاس الإمام الهمام والأسد الضّرغام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بالخلافة، فكان الحسين مع أخيه الحسن نعم الوزيرين لأبيهما..
ثمّ قُتل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على يد الخوارج المارقين عليهم من الله ما يستحقّون، وبويع الحسن (رضي الله عنه) بالخلافة، ولكنّه سرعان ما تنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) حقنا لدماء المسلمين..
تولّى معاوية (رضي الله عنه) الإمارة بعد تنازل الحسن (رضي الله عنه) عنها، وقبل وفاته عهد بالأمر من بعده لابنه يزيد، لأنّه (أي معاوية) كان يرى أنّ هذا هو السّبيل الذي يجنّب الأمّة فتنا أخرى، وهو اجتهاد منه (رضي الله عنه) أخطأ فيه وخالفه فيه من تبقّى من صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وكان على رأس هؤلاء الذين أنكروا استخلاف يزيد بن معاوية: الحسين بن علي، عبد الله بن الزبير بن العوام، عبد الله بن عمر بن الخطّاب، رضي الله عنهم وعن صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) أجمعين..
لمّا علم أهل الكوفة بأنّ الحسين (رضي الله عنه) رفض أن يبايع يزيدَ بنَ معاوية راسلوه ليقْدم إليهم فيبايعوه خليفة بدلا عن يزيد.. وثق الحسين (رضي الله عنه) بقوم لا ذمّة لهم ولا عهد، وتأهّب للمسير إلى الكوفة، فجاءه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأخوه محمّد بن علي، وحذّروه من أن يثق بأهل الكوفة الذين غدروا بأبيه علي وبأخيه الحسن من قبله، ولكنّ الحسين (رضي الله عنه) أصرّ على المسير..
لمّا علم والي الكوفة عبيد الله بن زياد عليه من الله ما يستحقّ بمسير الحسين (رضي الله عنه) كلّم أهل الكوفة وهدّد من هدّد منهم، واشترى ذمم من اشترى منهم بالأموال، واستطاع أن يخذلهم عن نصرة الحسين (رضي الله عنه)..
خذل أهل الكوفة الحسين (رضي الله عنه)، بل وخرج كثير منهم في الجيش الذي جيّشه عبيد الله بن زياد لردّ الحسين ومن معه عن الكوفة، خرج أهل الكوفة لقتال حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وعندما رأى (رضي الله عنه) أهل الكوفة نقضوا عهده وجاءوا لقتاله قال كلمات خلّدها التاريخ، قال: "اللهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ثمّ قتلونا".. قتلوه (رضي الله عنه وأرضاه) وقتلوا من أهل بيته من قتلوا.. احتزّوا رأسه (رضي الله عنه).. احتزّوا رأس ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأخذوه إلى عبيد الله بن زياد ليتشفّى به..
أمّا يزيد بن معاوية فإنّه عندما بلغه ما فعل بالحسين أظهر التوجّع والبكاء ولعن من قتله، ولكنّ هذا كلّه لا يعفيه من تبعة قتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسبطه، فهو الحاكم وكان بإمكانه أن يحول دون ما حدث، ولكنّه لم يفعل، بل قد حدثت في عهده أمور منكرة أخرى على رأسها استباحة مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وقتال عبد الله بن الزبير (رضي الله عنه)، فيزيد لم يكن خليفة ولم يكن أميرا للمؤمنين، وإنّما كان ملكا ظهرت منه أمور منكرة كثيرة، فأمْره إلى الله، وهو وحده يجزيه بما يستحقّ.. ونحن أهل السنّة لا نلعن شخصا بعينه وإنّما نلعن الظّالمين فنقول كما قال الله: } ألا لعنة الله على الظالمين {..
وبخصوص الحسين (رضي الله عنه) نقول كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله: " من قتل الحسين أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ". فرضي الله عن الحسين الشّهيد السّعيد، وأبعد الله من قتله أو أعان على قتله أو رضي بذلك..
ومضيت حسين إلى سفر * والأمّة أرّقها السّفر
وقفت تثنيك بلا جدوى * ودموع الصّحبة تنحدر
ساروا في ركبك أياما * أملا والحبّ له صور
وإذا أجرى الله قضاءً * مفعولا لا ينفع حذر
وخرجت لتحيي أمّتنا * وهناك يسابقها القدر
ومشيت تلاحظك الدّنيا * وفؤاد الأمّة يستعر
في ركبك سار أبو بكر * وزينب فيهم والعمر
زمر كالصّبح جلالتها * هم نور الأرض المنتشر
لم تدر بأنّك محصور * ورعاع الكوفة قد غدروا
أعطوك عهودا وذمارا * وحبال الخائن منبتر
باعوكم من ثمن بخس * ممحوق والعقبى صقر
لقد كان مقتل الحسين (رضي الله عنه) ومقتل من كان معه من أهل بيته مصيبة من أعظم المصائب التي حلّت بالأمّة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله: "وكان قتله (رضي الله عنه) من المصائب العظيمة؛ فإنّ قتل الحسين, وقتل عثمان قبله: كانا من أعظم أسباب الفتنفي هذه الأمة وقتلتُهما من شرار الخلق عند الله"..
اشترك في دم الحسين (رضي الله عنه) يزيد بسكوته، وعبيد الله بن زياد والي الكوفة وزبانيته بظلمهم وبغيهم، وأهل الكوفة الذين كانوا يدّعون أنّهم شيعة أهل البيت، بخذلانهم ومشاركتهم جنود عبيد الله بن زياد في قتله..
فأمّا يزيد فقد قطع الله الملك من ذريته، وأمّا عبيد الله بن زياد وأعوانه فقد انتقم الله منهم فقتلوا شرّ قتلة، ومن لم يقتل منهم فقد أصابه الجنون جزاءً ونكالا من الله، وأمّا أهل الكوفة فقد أظهروا النّدم بعد مقتل الحسين (رضي الله عنه)، واتّخذوا من يوم عاشوراء يوم حزن وبكاء ليكفّروا بزعمهم عن خذلانهم لابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمّ تطوّر الأمر وجاء أحفادهم من الشيعة وجعلوا يوم عاشوراء يوم نحيب وبكاء ولطم وشجّ للرّؤوس بالسّيوف وجلد للظّهور بالسّلاسل، ليتبرّؤوا من قتلة الحسين (رضي الله عنه) بزعمهم، ولكنّهم تبّرؤوا مع ذلك من خيرة أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسبّوهم ولعنوهم ظلما وعدوانا، ليفضحوا بأنفسهم حقيقة هذا المذهب الذي ما وجد إلا لهدم الإسلام، كيف لا وقد أرسى دعائمه اليهوديّ عبد الله بن سبأ، ومدّ حبائله الفرس المجوس الذين راموا الانتقام من الفاتحين الذين فتحوا أرضهم وبدّدوا ملكهم وأطفؤوا نارهم.. وزاده غلوا وتطرّفا الفرس الصّفويون الذين راموا تقويض الخلافة الإسلامية..
والشيعة لا يزالون إلى يومنا هذا على بدعهم ومنكراتهم في عاشوراء مصرّين وعن دعوات العقلاء معرضين.. لا يزالون يحدثون المنكرات العظام في عاشوراء عند قبر الحسين.. لا يزالون يزحفون على ركبهم إلى قبره ويدخلون ساجدين.. لا يزالون إلى زمان النّاس هذا يدعون الحسين (رضي الله عنه) لقضاء حاجاتهم وتفريج كرباتهم.. ولا يزالون في المقابل يجاهرون في هذا اليوم في منتدياتهم وحسينياتهم بلعن خيرة أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهم أبرء خلق الله من دم الحسين.. وهم من كانوا يتقرّبون إلى الله بحبّه رضي الله عنه وعنهم..
فهذا فاروق الأمّة عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) الذي يلعنه الشّيعة في عاشوراء، من شدّة حبّه للحسين (رضي الله عنه) يؤثره وأخاه الحسن رضي الله عنهما في العطاء في عهد خلافته، فكان يعطيهما على صغرهما ما يعطي كبار الصّحابة من أهل بدر.. وكان يعطيهما خمسة أضعاف ما يعطي ابنه عبد الله بن عمر.. وقد روى الإمام جعفر الصّادق عن أبيه محمّد بن علي الباقر أنّ عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) جعل للحسين مثل عطاء علي: خمسة آلاف درهم.
وها هو الحسين (رضي الله عنه) يدخل المسجد مرّة وهو صبيّ صغير على عهد خلافة عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه)، فلمّا رأى عمرَ بن الخطّاب (رضي الله عنه) على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخطب، صعد إليه وقال: انزل عن منبر أبي (ويقصد بأبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)) واذهب إلى منبر أبيك، فقال له عمر (رضي الله عنه): إنّ أبي لم يكن له منبر، وأخذه وأجلسه معه على المنبر.. فلمّا نزل من على المنبر أخذ الحسين معه إلى بيته وسأله: من علّمك هذا ؟ فقال لـه الحسين (رضي الله عنه): والله ما علّمنيه أحد، فقال عمر (رضي الله عنه): أي بُنيّ لو جعلت تغشانا (أي تأتينا وتزورنا)..
ويأتي الحسين (رضي الله عنه) عمرَ بن الخطّاب في يوم من الأيام فيجده منشغلا ببعض أمور الخلافة مع معاوية بن أبي سفيان، ويجد عبد الله بن عمر ينتظر بالباب ولم يؤذن له، فرجع (رضي الله عنه)، فلقيه عمر بعد ذلك فقال: لم أرك؟ فقال الحسين: يا أمير المؤمنين، إنّي جئت وأنت خال بمعاوية، وابنك عبد الله ينتظر فرجعت، فقال عمر: أنت أحقّ من ابن عمر..
ويروي ابن سعد عن جعفر الصّادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي بن الحسين قال: قدم على عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ثياب وحلل من اليمن، فكسا الناس فراحوا في الحلل، وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلّمون عليه ويدْعون لـه، فخرج الحسن والحسين من بيتهما يتخطيان الناس، ليس عليهما من تلك الثياب وتلك الحلل شيء، فلمّا رآهما عمر (رضي الله عنه) تغيّر وجهه وقال: "والله ما هنأ لي ما كسوتكم"، قالوا: يا أمير المؤمنين، كسوت رعيتك فأحسنت، قال: "من أجل الغلامين يتخطيان الناس وليس عليهما من الحلل شيء، كبرت عنهما وصغرت"، كانت الثياب التي جاءت من اليمن إمّا كبيرة على الحسن والحسين وإمّا صغيرة، فما كان من الفاروق (رضي الله عنه) إلا أن كتب إلى والي اليمن في الحال: أن ابعث بحلتين لحسن وحسين وعجّل، فبعث إليه بحلتين فكساهما وقال: الآن طابت نفسي.
وهذا عبد الله بن عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) جاءه رجل من أهل العراق يسأله عن دم البعوض: أ طاهر هو أم نجس؟ فقال عبد الله بن عمر (رضي الله عنه): ممّن أنت ؟ قال: من أهل العراق، قال ابن عمر: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد سمعته (صلى الله عليه وآله) يقول: ( هما ريحانتاي من الدنيا ).
وهذا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) كان يوما جالسا في ظلّ الكعبة إذ رأى الحسين فقال: هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السّماء اليوم. وكان ذلك طبعا بعد وفاة أبي بكر واستشهاد عمر وعثمان وعلي وبعد موت الحسن (رضي الله عنه)..
وهذا أبو هريرة كان مع الحسين (رضي الله عنهما) يوما في جنازة فاغبرّت قدما الحسين، فقام أبو هريرة ينفض عنهما الغبار، فقال له الحسين (رضي الله عنه): أ تفعل هذا ؟ قال: دعني، فو الله لو علم النّاس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم..
وهذه أم سلمة رضي الله عنها زوج النبيّ (صلى الله عليه وآله) لما جاءها نعي الحسين بن علي (رضي الله عنه) لعنت أهل العراق وقالت: قتلوه قتلهم الله عز وجل، غرّوه ودلوه لعنهم الله..
هكذا كان شأن أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع الحسين (رضي الله عنه).. فإلى متى يا ترى سيظلّ الشيعة مصرّين على لعن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟.. وإلى متى سيظلّون مصرّين على هذه العادات الغريبة عن الإسلام من النواح واللّطم والتّطبير في عاشوراء؟. إنّ الحسين (رضي الله عنه) قد أكرمه الله بالشهادة وانتقم من قاتليه؟ وقبل الحسين (رضي الله عنه) قُتل حمزة بن عبد المطلب عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) وجُدع أنفه وبُقر بطنه وأخرجت كبده، وعاش النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد استشهاده سبع (07) سنوات لم يعقد فيها مآتم ولا مناحات.. وقُتل الفاروق (رضي الله عنه)، وقُتل ذو النورين عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وقتل ذو السبطين علي (رضي الله عنه).. فلماذا لا يعقد الشيعة المناحات على مقتل حمزة (رضي الله عنه) مثلا فهو من أهل البيت؟ إنّ القضية ليست قضية محبّة أهل البيت، وإنّما هي قضية عداوة أبدية لصحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولأهل السنّة الذين يتهمهم الشيعة بقتل الحسين (رضي الله عنه) وهم الذين يتبرؤون من قاتليه.. وهي أيضا قضية تجارة بأهل البيت امتهنها أصحاب العمائم لتحصيل الأموال باسم الخمس واستباحة الفروج باسم المتعة.. وغرس الأفكار الغريبة عن الإسلام التي يحتاج غرسها إلى تخدير العقول وتهييج العواطف، وعن طريق هذه المناحات التي تعقد كلّ عام صار مساكين الشيعة أسرى لأصحاب العمائم يؤصّلون في نفوسهم خرافة الإمام الثاني عشر التي لا يقبلها عقل سليم، والتي يسترزقون بها باسم النيابة عن المهدي الغائب.. ويسوّغون لهم الشرك بالله جلّ وعلا في صور التمسّح بالقبور ودعاء الأموات وبذل النذور..
إنّنا في هذا الزّمان العصيب لفي أمسّ الحاجة لأن نعيش واقعنا، بدل أن نفتح صفحات الماضي لأجل أن نحاسب أقواما قد أفضوا إلى ما قدّموا.. قاتل عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) قد أفضى إلى ما قدّم.. قتلة عثمان بن عفّان (رضي الله عنه) قد أفضوا إلى ما قدّموا.. قاتل عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) قد أفضى إلى ما قدّم.. قتلة الحسين (رضي الله عنه) قد أفضوا إلى ما قدّموا، فماذا ينفعنا أن نلعن كلّ عام قتلة عمر وعثمان وعلي والحسين بأسمائهم؟ إنّه ما من يوم من أيام السّنة إلا وقد حلّت فيه بالأمّة مصيبة من المصائب في تاريخها.. ولو رحنا نقلّب سجلّ المصائب لأجل البكاء واللّعن لصارت أيامنا كلّها بكاءً ونواحا ولعنا..
إنّنا في أمسّ الحاجة لأن نعيش مصائبنا في هذا الزّمان، ليس لأجل أن نبكي ونلعن وإنّما لندعو ونعمل..
علينا أن نعيش واقعنا، وإذا أردنا أن نفتح صفحات التاريخ لأجل أخذ الدّروس والعبر، فلنفتحها بكلّ أمانة، بعيدا عن الأكاذيب والخرافات والأساطير، ولنقرأها بعيوننا لا بعيون الفرس المجوس الحاقدين على هذا الدّين..
رضي الله عن الحسين وعن جميع صحابة النبيّ الأمين (صلى الله عليه وآله وسلّم)..