[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]من صفات المؤمنين التي مدح الله أهلها وأثنى عليهم: حفظ العهود والعقود، ومراعاتها والوفاء بها، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة في القرآن
الكريم، من ذلك قوله -تعالى- في موضعين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وقال -تعالى- آمرًا عباده بالوفاء بالعهود والعقود: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا وقال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
وأخبر -تعالى- عن نفسه بأنه لا أحد أوفى منه -سبحانه- بالعهد فقال: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ وتوعد -سبحانه- من ينقض العهد بوعيد شديد، وهو اللعنة وسوء الدار، فقال: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ .
والوفاء بالعقود والعهود عام يشمل عهود الإيمان والقرآن، والعقود التي يتعاقدها الناس بينهم كعقد الحِلف، وعقد الشركة، وعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين، وعقد الإجازة، وغير ذلك، وقد فسر السلف قوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فقالوا: هي:
1- عهود الإيمان والقرآن.
2- وقيل: العقود: هي العهود، وهي ما أحل الله وما حرم، وما فرض، وما حدّ في القرآن كله.
3- وقيل: العقود: ما أحل الله وحرم، وما أخذ الله من الميثاق على من أقرّ بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام.
وكل هذه الأقوال متفقة المعنى، فإذا عقد الإنسان عقدا وجب عليه أن يفي به، وأن يرعاه ويلتزم به، كما أمر الله -تعالى- بذلك، فإذا عقد يمينًا، أو أوجب على نفسه نذرًا وجب عليه أن يلتزم به، وأن يتحلل منه بكفارة. وكذلك سائر العقود من البيع، أو الإجارة، أو النكاح، أو غيرها.
وهذا هو شأن المؤمنين وهذا هو وصف المؤمنين الخلّص الذين وعدهم الله وراثة الفردوس بين أن من وصفهم رعاية العهد، وقد عقد الله -سبحانه- مع عباده المؤمنين عقدًا، وعاوضهم عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وتكفّل لمن خرج في سبيله لا يخرج إلا لجهاد في سبيل الله، والتصديق برسول الله إنْ توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى أهله نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة.
وأخبر الله -سبحانه- أنه لا أحد أوفى منه بعهده، فقال: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ووعد وبشّر من قام بمقتضى هذا العقد، ووفى بهذا العهد بالفوز العظيم، والنعيم المقيم، فقال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
وقد بيّن الله في كتابه أن من صفات علماء المؤمنين الوفاء بالعهد، وصلة الأرحام وغيرها، وأخبر أن لهم عقبى الدار وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة، فقال -تعالى-: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ - إلى قوله -: أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ .
كما بين من صفات الأشقياء نقض العهد من بعد ميثاقه، وقطع الأرحام، وأن مصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ .
والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن من صفة المنافقين الغدر في العهد، ففي الحديث: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان وفي رواية: وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر .
وقد أمر الله بالوفاء بالعهد، وهو ما يعاهد الرجل عليه الناس، والعقود التي يتعامل بها، وما يلتزمه الإنسان على نفسه، وبيّن أن العهد والعقد كل منهما يسأل عنه صاحبه، فقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا .
وقيل: المراد بالعهد في هذه الآية: هو الإتيان بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى الله عنه، وعلى هذا القول فما يعاهد الرجل عليه الناس، والعقود التي يتعامل بها معهم مما أمر الله بالوفاء به، قال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .
وقد أمر الله -تعالى- بالوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكدة، ونهى عن نقض العهود، واتخاذ أيمانها دخلًا وخداعًا، وهدد وتوعد من نقض الأيمان بعد توكيدها، فقال -تعالى-: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ .
ويدخل في نقض العهد نقض البيعة؛ ولهذا قيل: إن هذه الآية نزلت في بيعة النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان من أسلم بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام، فقال -تعالى-: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ أي: البيعة التي بايعتم على الإسلام، ولا يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة.
وفي الحديث: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر - إلا أن يكون الإشراك بالله - أن يبايع رجل رجلًا على بيعة الله ورسوله، ثم ينكث بيعته، فلا يخلفن أحد منكم يدًا ولا يُسْرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون فصل بيني وبينه .
إن كلًا من العهد والعقد يسأل عنه صاحبه يوم القيامة، وقد أخبر الله أن شرّ ما يدب على وجه الأرض هم الذين كفروا، وبين أن من صفاتهم - وخصوصًا اليهود - نقض العهد - عكس ما كان عليه المؤمنون من حفظ العهد والوفاء به-، فالكفار كلما عاهدوا عهدا نقضوه، وكلما أكدّوه بالأيمان نكثوه، فقال -تعالى-: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]