مفهوم كلمة ( الله )
إن كلمة ( الله ) كلمة عربية أصيلة ، والتفخيم لحرف ( لَ ) أثناء اللفظ هو أسلوب عربي قديم مثله مثل طريقة اللفظ لمجموعة من الأحرف الأخرى التي يستخدمها القبائل العربية في لهجاتهم ، وعندما استخدم القرآن هذا اللفظ المفخم لحرف ( ل ) حفظه من الاندثار وأعطاه مصداقية في الواقع ، كون النص القرآني أوصله الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله ) بصيغة صوتية أولاً وخطية ثانياً . ولمعرفة دلالة كلمة ( الله ) ينبغي أن نرجع إلى كيف بدأ ظهور هذا اللفظ في المفهوم الثقافي العربي .
والقرآن قد أشار إلى ذلك عندما استخدم كلمة ( إسرائيل ) وهي كلمة عربية أصيلة تدل على مرحلة من مراحل تطور اللغة العربية وكان ذلك متحققاً باللهجة العبرية التي هي أسلوب لفظي للغة العربية بصورة بدائية لم تتطور وابتعدت عن مركز ومحور اللغة الأم ، ولذلك نشاهد هذا التداخل في أصول المفردات والاشتقاقات بين اللهجة العبرية واللغة العربية الأم .
فماذا تعني كلمة ( إسرائيل ) ؟
إن كلمة ( إسرائيل ) مؤلفة من كلمتين :
أحدها : ( إسرا ) من الإسراء وليس من الأَسر كما حاول اليهود أن ينشروها في ثقافتهم بقولهم : [ إن النبي يعقوب قاتل الله عز وجل فصرعه وأسره ولم يتركه حتى أخذ منه عهداً بالبركة والاصطفاء له ولذريته , فسمي إسرائيل] وكلمة ( الإسراء ) تدل على حركة متصلة غير محددة مكررة وذلك أعطاها بُعد الاستمرار وانتهت بامتداد واستقامة الذي هو دلالة صوت ( آ ) . ومجموعة الأصوات بهذا الترتيب لكلمة ( إسرا ) صارت تدل على الحركة والبحث عن الطريق الذي يوصل إلى الهدف والوصول إليه والتمسك به باستقامة والسير فيه بامتداد . ومن هذا التحليل لكلمة ( إٍسرا ) قالوا : إنها تدل على الكشف والإزالة مثل : سرى المرض من جسم المريض. وقالوا : إنها تدل على السير والتداخل مثل : سرى المرض في جسم المريض . ومنه قولهم الأمراض السارية . إلى غير ذلك من الأقوال . والملاحظ في هذه الصور الدلالية لكلمة ( سرى ) أنها صور استخدام وحدوث لدلالة الكلمة في الواقع وليس دلالتها الأصلية . لذلك نلاحظ أن دلالة كلمة ( سرى ) قد تحققت في الصورتين بطريقة خروج المرض من جسم المريض ، وبطريقة دخوله إلى جسم المريض . فدلالة كلمة ( سرى ) واحدة من حيث الأصل وتظهر بصور مختلفة في الواقع .
أما الجزء الآخر لكلمة ( إسرائيل ) فهو كلمة :
إيل : وتدل على مفهوم وتصور الإنسان العربي الأول للخالق العظيم .
وباجتماعها مع كلمة (إسرا ) صار المفهوم هو الباحث عن طريق التوحيد والوصول إليه والتمسك به إيماناً . وهذا التحليل تم ترجمته إلى مفهوم كلي من باب تفسير الشيء بمآله فقالوا: إن كلمة ( إسرائيل ) كلمة تدل على ( عبد الله ) في النهاية . وهذا التفسير مقبول للتعليم ولعامة الناس وليس للباحثين والعلماء .
لذا اقتضى التنبيه من اختراق اليهود لثقافتنا ومحاولتهم إمرار دلالة كلمة ( إسرائيل ) بأنها (أَسرُ الله ) نتيجة الصراع مع النبي يعقوب عليه السلام كما زعموا !! . والصواب ما ذكرناه من أن ( إسرائيل ) تدل من حيث المآل على ( الباحث عن التوحيد والوصول إلى الله وعبادته ) وكلمة ( إسرا ) من الإسراء وليس من الأسر . كما في قوله تعالى [ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً] . وينبغي أخذ العلم والانتباه لمسألة خطيرة جداً وهي أن إسرائيل ليس النبي يعقوب عليه السلام ، والتفريق بين بني إسرائيل وبين ذرية يعقوب وبين الطائفة الإرهابية اليهودية الملعونة عبر التاريخ الإنساني !! يترتب عليه إعادة ترتيب أوراقنا التاريخية والثقافية .
وعود على بدء .
كلمة ( إيل ) ظهرت في الثقافة العربية بصورة مبكرة على لسان بني إسرائيل لتدل على الخالق المدبر وبالذات على صفة ( الأول ) المستمر في وجوده وهيمنته على أفعاله بصورة مباشرة . وهذا دلالة تحليل صوت حرف ( ل ) ومع تطور المجتمع الإنساني والرقي في تفكيره وصل إلى مفهوم صفة ( الآخر ) التي تدل على بقاء واستمرار الأول على ما هو عليه فأضاف صوت حرف ( ل ) لكلمة ( إيل ) مع حذف الياء فصارت ( إلل ) ولفظها بصورة مفخمة ، ومع استمرار الارتقاء بالتفكير والابتعاد عن التجسيم والوصول إلى الفكر المجرد والتعامل مع الأفكار وليس مع الأشياء أو الأشخاص وصل المجتمع الإنساني إلى مفهوم الإيمان بالغيب مع تأثير ذلك على الحاضر والتعامل معه كذلك ، فأضاف صوت حرف ( ه ) لكلمة ( إلل ) فصارت ( إلله ) لتضيف إلى مفهوم ( الأول والآخر ) مفهوم ( الظاهر والباطن ) الذي هو دلالة صوت ( ه ) التأرجح بصورة خفيفة ويسمى حرف غيبي كونه يصدر من الجوف .
وظهر ذلك من خلال غياب ذات الله عن التصور والتشيؤ والتمثل والتشبه والتجسم , وظهور صفاته الفعلية بصورة مشاهدة في الواقع لتؤكد وتثبت وجوده الذاتي الموضوعي . ومع استمرار استخدام كلمة ( إلله ) تم تبديل حركة الهمزة من الكسر إلى الفتح لسهولة النطق ، والعرب تميل فطرة في أسلوب كلامها إلى السهولة واللين في استخدام النطق بالكلام . وبناء على ما ذكرت لا يوجد ( أل ) تعريف في كلمة ( الله ) لأن ذلك من أًصل الكلمة وليست مضافة إليها , ولو كانت مضافة إليها لصح إزالتها دون تغير المعنى سوى نقلها من حالة المعرفة إلى النكرة , وكذلك ليس لها جذر حتى يتم الاشتقاق منها . وبالتالي صارت كلمة ( الله ) اسم عَلَم مفرد جامد لا جمع لها وغير قابلة للاشتقاق , ولا تدل إلا على الخالق المدبر حصراً ، وبذلك يتطابق هذا المفهوم مع الواقع تماماً من حيث أنه لا إله إلا الله .
أما كلمة ( إله ) فقد وُجدت نتيجة وجود مفهوم التعددية والشرك بالله العظيم ، الذي هو مفهوم عارض ومرضي في المجتمع الإنساني ، لأن الأصل هو التوحيد والإيمان وليس الشرك والكفر . وقام هؤلاء بأخذ كلمة ( إله ) من بداية مرحلة نشوء مفهوم كلمة ( الله ) التي هي ( إيله ) فظهر مفهوم قاصر للألوهية لا يشمل دلالة ( الأول والآخر والظاهر والباطن ) وإنما يدل على بعض من مفهوم كلمة ( الله ) ومن هذا الوجه تعددت الآلهة وتقاسمت الأدوار في إدارة وتدبير الوجود ، وكل ذلك في التصور الذهني للإنسان ليس له على أرض الواقع أي مصداقية مع وجود واستمرار مفهوم ( الله ) ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) فالخالق الأول في الثقافة الإنسانية قاطبة هو الله لا شريك له أبداً , وإنما كانت الآلهة تابعة له ومسؤولة عن الإدارة والتدبير ( أرباب ) وهذا هو الشرك بالله العظيم الذي حاربه جميع الأنبياء والرسل [ يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ] فكان مطلب الأنبياء والرسل توحيد العبادة لله عز وجل ، والله معروف عند الناس وليس نكرة ، لذا لم يكن هذا المفهوم في أي مرحلة تاريخية محل اختلاف أو نقاش أو إنكار ، ولم يأت القرآن ليثبت وجود الله ، وإنما أتى لتصحيح التوحيد والإيمان ، فكلمة ( إله ) ظهرت في المجتمع بعد ظهور كلمة ( الله ) وبالتالي فليست هي أصلاً لها ، ودلالتها قاصرة لا تشمل دلالة كلمة ( الله ) والعكس صحيح ، بمعنى أن الله هو إله ، وليس من أطلق عليه كلمة إله هو الله ، أما إذا إضفنا ( الـ ) التعريف إلى كلمة ( إله ) فتصير ( الإله ) وبذلك التعريف رجعت إلى المفهوم المعروف سابقاً ( الله ) أما بصيغتها النكرة فهي تدل على تصور ذهني قاصر ومحدود في صفاته ، لذا القرآن أتى دائماً ليصحح هذا المفهوم ويرجعه إلى مفهوم ( الله ) أو يستخدم الإضافة بعد كلمة إله نحو [ وما من إله إلا إله واحد ] ليصير مفهوم كلمة ( الله ) و ( الإله ) و ( إله واحد ) يدل على ( الله ) وحده لا شريك له . وتصير جملة :
لا إله : نفي هذه الآلهة الذهنية القاصرة والمحدودة في أفعالها وإثبات الوجود الحقيقي الفاعل في الواقع للخالق المدبر المعروف مسبقاً للجميع ( إلا الله ) . وينتج عن ذلك ضرورة مفهوم توحيد العبادة للواحد الأحد الله سبحانه وتعالى عما يصفون . ما قدروا الله حق قدره .